ولادة الامام علي

ممثل المرجعية العليا في أوروبا يبارك للمسلمين حلول ذكرى ولادة إمام المتقين ويعسوب الدين الإمام امير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) ويقول
إن علياً (ع) جوهرة خلقها الله وصاغها محمد (ص) لتكون قدوة للإنسانية عبر مسيرتها  الدنيوية والأخروية

 

 ٩ رجب ١٤٤٢ هجري

جاء حديثه هذا بمناسبة ولادة الإمام علي بن ابي طالب (ع) الذي ولد في الكعبة المشرفة في 13 رجب قبل البعثة النبوية بعشر سنوات ، ولم يشاركه في هذه الفضيلة أحد سواه. وقد اعتدنا سنوياً أن نتحدث عن بعض مقاماته السامية لنأخذ منها زادا لدنيانا وآخرتنا في عصر نحن أحوج ما نكون فيه إلى ذلك، وسيقتصر حديثنا في هذه السنة على ذكر بعض الآيات والروايات الواردة في بيان فضله والإشارة الى بعض مواقفه التاريخية التي انفرد بها بشهادة الخاصة والعامة.

أما القرآن الكريم، فلعلي (ع) فيه مقام عظيم انفرد به عن غيره ممن عاش مع رسول الله (ص)، حتى روي عن ابن عباس حبر الأمة أنه قد نزل في علي ثلاثمائة آية من كتاب الله.

وقد ألف جماعة من علماء جمهور المسلمين كتبا تضم الآيات النازلة بحق علي (ع) وأهل البيت (ع) مثل (كتاب شواهد التنزيل) للحاكم الحسكاني، وكتاب (ما نزل في علي من القرآن) للحافظ أبي نعيم الاصفهاني، وغيرهما.

وسنشير الى بعض الآيات التي ذكرها جمهور المسلمين في صحاحهم ومسانيدهم وتفاسيرهم ، إلى جانب ما هو مشهور مما نزل في علي واهل بيته (ع) من (آية الولاية) و(آية المباهلة) و(آية التطهير) و(آية الإبلاغ) و(آية الإكمال) واليكم بعض هذه الايات

 ((والسابقون السابقون أولئك المقربون))

الواقعة١٠-١١

 

فقد ورد عن ابن عباس أن السباق ثلاثة: يوشع بن نون سبق إلى موسى، وصاحب ياسين إلى عيسى، وسبق علي إلى محمد

 ((أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله ))

نزلت في علي (ع) والعباس وشيبة فقال العباس: أنا أفضل لأن سقاية الحاج بيدي، وقال شيبة: أنا أفضل لأن حجابة البيت بيدي، وقال علي(ع): أنا أفضل فإني آمنت قبلكما وهاجرت وجاهدت .. فرضوا برسول الله فأنزل الله هذه الآية

((يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ))

المجادلة١٢

 

فلم يعمل بهذه الآية غير علي (ع) حيث قال عليه السلام: (آية في كتاب الله ما عمل بها أحد من الناس غيري، وهي آية النجوى كان لي دينار بعته بعشرة دراهم فكلما أردت أن أناجي النبي تصدقت بدرهم .. ما عمل بها أحد قبلي ولا بعدي

((إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن وداً))

مريم٩٦

 

نزلت في علي بن أبي طالب(ع) كما ورد في تفسير الثعلبي وتذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي والدر المنثور للسيوطي
((إن الذين امنوا وعملوا الصالحات اولئك هم خير البرية))

البينة٧

 

 نزلت في علي (ع) كما في تفسير الطبري وتفسير الدر المنثور للسيوطي

((والذي جاء بالصدق وصدق به))

الزمر٣٣

 

عن مجاهد: جاء به محمد وصدق به علي بن أبي طالب (ع)، كما في تاريخ ابن عساكر وكفاية الطالب للكنجي وتفسير القرطبي وروي ذلك عن أبي هريرة في الدر المنثور

((إني جاعلك للناس إماماً قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين))

البقرة ١٢٤

 

 عن النبي (ص): (أنا دعوة أبي إبراهيم ثم قال: فانتهت الدعوة إلي وإلى علي، لم يسجد أحد منا لصنم قط، فاتخذني الله نبيا واتخذ عليا وصيا) كما جاء في المناقب للمغازلي

((ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله))

 

 نزلت في علي(ع) حينما بات على فراش رسول الله (ص) ليلة الهجرة يقيه بنفسه شر الأعداء

هذه بعض الآيات النازلة في شأنه (ع)، وقد ذكرناها على نحو التمثيل لا الاستقصاء، وبإمكان المتتبع أن يراجع مصادر الفريقين ليتضح له ما نزل من القرآن في علي(ع)

أما الأحاديث النبوية فاستفاضت بها كتب السنة والشيعة .. بالغة حد التواتر، وسنستشهد بثلاثة أحاديث ونشرح أحدها

 قال (ص): (علي مع الحق والحق مع علي يدور معه حيثما دار). وهذا الحديث صريح في بيانه

 وقال (ص): (إن الله جعل ذرية كل نبي في صلبه وجعل ذريتي في صلب علي) وعنه (ص): ( كل بني أنثى ينتمون إلى عصبتهم إلا ولد فاطمة فأنا وليهم وأنا عصبتهم وأنا أبوهم)

وثالثاً نذكر ما قاله رسول الله (ص) في علي: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى ، إلا أنه لا نبي بعدي).. حديث متواتر ، روي عن نيف وعشرين صحابياً من طرق غيرنا ، وشهد بتواتره الحاكم النيسابوري ، وقد روي في الصحيحين
ولو وعى المسلمون هذا الحديث لعرفوا قدر عليّ .. إنه من النبي (ص) بمنزلة هارون من موسى، ولكن ما هي منزلة هارون من موسى ؟

عندما أمر الله سبحانه موسى (ع) أن يذهب إلى فرعون إنه طغى طلب موسى من ربه أموراً ثمانية .. قال ((رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي)) .. هذه الأمور الثلاثة لنفسه. ثم أضاف إليها أموراً خمسة ليست له بل لأخيه هارون .. ((واجعل لي وزيراً من أهلي هارون أخي أشدد به أزري وأشركه في أمري)) هذه الأدعية الخمسة تبين بعض منزلة هارون من موسى .. كما ورد بعضها في مواضع أخر في القرآن، و لكن نكتفي ببيان ما جاء في هذا الموضع
(اجعل لي) تدل على أن هذه المناصب لا يقدر موسى أن يجعلها لهارون .. وإلا لقال اللهم إني قد جعلت لهارون كذا وكذا فهو يخاطب ربه: أنا لا أقدر أن أجعله يا رب فأنت اجعله لي فلو كانت منزلة هارون من موسى بيد موسى لكانت منزلة علي من رسول الله بيد رسول الله، ولو كان كذلك لما احتاج الرسول إلى استثناء النبوة لأن النبوة ليست بجعل من النبي (ص) ليخرجها ويستثنيها، فالحديث يدل على النظر للمنزلة المجعولة من الله تعالى، فكأن النبي (ص) يقول: كما أن النبوة ليست بجعل مني فمنزلة علي مني كذلك بجعل من الله.
(وزيراً) تدل على أن عليّاً وزير رسول الله (ص) لأنه بمنزلة هارون من موسى ، وهارون وزير موسى

(من أهلي) فعليّ من أهل رسول الله (ص). وعندما يصف القرآن أحداً بأنه من أهل أحد فيجب أن نستحضر أن ولد نوح قال القرآن فيه ((إنه ليس من أهلك)) لأنه لا مشاكلة ولا مجانسة بين نوح وبين ولدِه فنفيت عنه هذه الصفة أي كونه من أهله . وأما هارون فإنه من أهلِ موسى ووفق كلام رسول الله (ص) فعلي من أهل رسول الله
(هارون أخي): الأخوة.. ورد أن أمير المؤمنين (ع) افتخر بأنه أخو رسول الله (من فيكم آخاه رسول الله؟) ، ولم يكن ذلك بقصد التطاول على الناس، ولكن لإقامة الحجة. وهذه الآية تبين أن هارون أخ لموسى، فعلي أخ لرسول الله (ص). وقد دل على ذلك أيضاً حديث المؤاخاة الذي يشهد لصحته -مضافاً إلى صحة سنده- مفاد حديث المنزلة المتواتر الذي نحن بصدده.
(اشدد به أزري) .. علي هو الذي شدّ به رب العزة أزر سيد الورى وجعله ناصر رسول الله، وهذا وصف لم يرد لأحد غير علي (ع))

(وأشركه في أمري) .. وهذه من أعجب الصفات، علي شريك لرسول الله (ص) في أمره

وقد يُظن أن أمر رسول الله منحصر في النبوة، فيقال بأنه استثني بقول رسول الله (إلا أنه لا نبي بعدي).. ولكن هذا التوهم غير صحيح، فإن أمره (ص) واسع، وقد بينه القرآن في مواضع شتى حيث وصفه بأنه شاهد ومبشر ونذير وداعٍ إلى الله بإذنه وسراج منير وغير ذلك، وكلها داخلة في هذا الحديث وعلي شريك لرسول الله فيها .. فهل يوجد في الأمة مَن هذا شأنه غير علي؟
ونكتفي بهذا المقدار في بيان هذا الحديث الشريف، وهناك كم وافر من الأحاديث بإمكان القارئ الرجوع فيها إلى مصادر الفريقين لملاحظتها.

وأما مواقفه التاريخية فكانت له اليد الطولى في كل الوقائع التي شارك رسول الله فيها كبدر وأحد والخندق وخيبر وحنين وغيرها، وفي كل واقعة كان النبي (ص) يخلع على علي وساماً لم ينله أحد من صحابته كقوله (ص) في يوم خيبر: (لأعطين الراية غداً رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله كرار غير فرار لا يرجع حتى يفتح الله على يديه) وفي يوم الخندق: (ضربة علي يوم الخندق تعدل عبادة الثقلين: الجن والإنس)

وخلاصة القول: أن لعلي (ع) مقاماً عظيماً لا تدرك العقول ولا تصل اليه الأفهام، لقول رسول الله (ص): (يا علي ما عرف الله إلا أنا وأنت، وما عرفني إلا الله وأنت، وما عرفك إلا الله وأنا)

فشخصية علي (ع) هي الشخصية المثالية التي تقف أقلام الكاتب والباحثين حائرة أمامها، وألسنة الخطباء والمتحدثين عاجزة عن وصفها، لذا كان هو القدوة التي خلقها الله وجعلها مثلاً أعلى في الكمالات الانسانية لنقتدي بها بعد رسول الله (ص) ولنأخذ من رشحات إيمانه وعلمه وفضله وكماله، وكأن السماء تقول: هذا هو مثلكم الأعلى فاقتدوا به واتبعوا منهجه وسيروا على سيرته ((ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون))

ومن المؤسف ان ما حل بالمسلمين بيومهم وبأمسهم سببه اننا لم نتبع علياً (ع) ولم نسر على خطه بعد أن جعله النبي (ص) خارطة الطريق لكل من يريد أن يسير على الصراط المستقيم، كما جاء في حديثه لعمار بن ياسر: (يا عمار إذا سلك الناس وادياً وسلك علي وادياً فاسلك وادي علي فإنه لا يخرجك من هداية ولا يدخلك في ضلالة)

فسلام الله عليك يا أمير المؤمنين يوم ولدت في الكعبة ويوم ربيت في حجر النبي ويوم زوجت من فاطمة في السماء ويوم جاهدت بين يدي رسول الله ويوم استشهدت في محراب بيت الله وأنت تنطق بشعارك: فزت ورب الكعبة

جعلنا الله من المقتدين به والسائرين على نهجه إنه ولي التوفيق