ممثل المرجعية العليا في أوروبا يعزي العالم الإسلامي بوفاة خاتم الأنبياء والمرسلين محمد (ص) ويدعو المسلمين إلى الالتزام بنهجه وتوصياته والتمسك بالكتاب والعترة الذين هما مصدر الفلاح في الدنيا والآخرة
جاء حديثه هذا بمناسبة وفاة النبي المصطفى محمد (ص) والتي صادفت يوم الجمعة الثامن والعشرين من شهر صفر، وبفقده فقد العالم أعظم شخصية خلقها الله سبحانه من لدن آدم، والتي بعثها لإنقاذ البشرية من الضلال وإخراجها من الظلمات إلى النور وذلك من خلال التمسك بالقرآن والعترة الطاهرة.
وبهذه المناسبة الحزينة يجدر بنا ان نقتبس بعض الدروس والعضات والعبر من سيرته المباركة:
أولاً: أن العلاقة بين الله وعباده هي بالعمل وليست بشيء آخر كالقرابة والمال أو أي امتياز آخر.
وقد أكد أن العمل هو الذي يمثل القيمة عند الله بقوله (ص) (معاشر الناس ليس بين الله وبين أحد شئ يعطيه به خيرا، أو يصرف عنه به شرا إلا العمل، أيها الناس لا يدعي مدع ولا يتمنى متمن، والذي بعثني بالحق نبيا لا ينجي إلا عمل مع رحمة، ولو عصيت لهويت)
ثانياً: التمسك بالكتاب والعترة
فعن أبي سعيد الخدري عن النبي (ص) (إني أوشك أن ادعى فأجيب، وإني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، وإن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، فانظروا ماذا تخلفوني فيهما)، وكان يريد من الأمة أن ترتبط بهذا الخط المعصوم المشتمل على الثقلين، الثقل الأول هو الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه، والثقل الثاني الذين هم أهل بيت النبوة وموضع الرسالة الذين أذهب عنهم الرجس وأعطاهم علم الثقل الأول، وبذلك لا يمكن الفصل بين هذين الثقلين.
ثالثا: التركيز على حسن الظن بالله
فقد جاء عن جابر الأنصاري أنه قال :سمعت النبي قبل موته وهو يقول (ألا لا يموت أحد منكم إلا وهو يحسن الظن بالله) يحسن الظن برحمته وبلطفه وبمغفرته وبكرمه وبجوده، فلا ييأس منه تعالى فإنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون.
رابعا: وصيته بعدم التهاون والتساهل في حقوق الآخرين
ذكر أرباب السير والتاريخ أن الفضل بن عباس دخل الفضل بن عباس على النبي (ص)، في مرضه فقال: ” يا فضل شد هذه العصابة على رأسي ” فشدها ثم قال النبي (ص): ” أرنا يدك! ” قال: فأخذ بيد النبي (ص)، فانتهض حتى دخل المسجد فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ” إنه قد دنا مني حقوق من بين ظهركم وإنما أنا بشر فأيما رجل كنت أصبت من عرضه شيئا فهذا عرضي فليقتص! وأيما رجل كنت أصبت من بشره شيئا فهذا بشرى فليقتص! وأيما رجل كنت أصبت من ماله شيئا فهذا مالي فليأخذ! واعلموا أن أولاكم بي رجل كان له من ذلك شيء فأخذه أو حللني فلقيت ربي وأنا محلل لي، ولا يقولن رجل إني أخاف العداوة والشحناء من رسول الله فإنهما ليستا من طبيعتي ولا من خلقي! ومن غلبته نفسه على شيء فليستعن بي حتى أدعو له “; فقام رجل فقال: أتاك سائل فأمرتني فأعطيته ثلاثة دراهم. قال: ” صدق، أعطها إياه يا فضل! ” قال: ثم قام رجل فقال: يا رسول الله إني لبخيل وإني لجبان وإني لنؤوم فأدع الله أن يذهب عني البخل والجبن والنوم! فدعا له.
إنّ في كلّ ذلك درساً لنا، حين نجد أنّ رسول الله (ص) في آخر حياته ـ وهو سيّد الخلق والحبيب إلى الله ـ يريد أن يخرج من الدنيا وليس لأحد عليه حقّ في أيّ جانب من جوانب حياته، فإذا كان رسول الله بهذه المثابة، فكيف بنا نحن الّذين ننكر على الناس ديونهم التي علينا، والذين نظلم بعضنا بعضاً بالغيبة والضّرب والشّتيمة، فنَرِد إلى الله ونحن محمّلون بالأثقال؟ إنّ علينا أن نُرجع إلى الناس حقوقهم، أو أن نتسامح منهم قبل أن يأتي وقت لا نستطيع أن ندفع حقّاً ولا أن نتسامح من أصحابه.
خامساً : درس بليغ للقيادات وللأمة
أراد النبي (ص) أن يقدِّم حسابه للأمَّة، في حين أن الأمَّة لم تنتخبه حتى يقدِّم لها حسابه، بل إنّ الله اصطفاه واختاره وهو أعلم من النّاس به، ولكنّ النبيّ (ص) أراد أن يعطي الفكرة لكلِّ قائد ومسؤول من بعده، في ضرورة الوقوف على رأي الأمّة، وأراد أن يعلّم الأمّة أن تطلب من القائد أن يقدِّم لها الحساب.. فقال (ص) في مرضه الذي توفي فيه: (أيها الناس، إنكم لا تعلقون عليّ بواحدة، ما أحللت إلا ما أحلّ الله، وما حرّمت إلا ما حرّم الله)، وفي رواية أخرى أنه قال: (أيّها النّاس، والله لا تمسكون عليّ بشيء، إنّي لا أحلّ إلا ما أحلّ الله، ولا أحرِّم إلا ما حرّم الله، يا فاطمة بنت رسول الله، يا صفية عمّة رسول الله، اعملا لما عند الله، فإني لا أغني عنكما من الله شيئا).
إنه يريد أن يؤكّد الخطّ الإسلاميّ الأصيل، بأنّ علاقة الناس بالله ـ بما فيهم رسول الله (ص) ـ هي علاقة الاستقامة على خط الله، ولذلك خاطب الله رسوله بقوله تعالى في ما أراده منه: ((فلذلك فادع واستقم كما أُمرت))، وخاطبه بقول آخر يوحي بالتهديد، ولكن الخطاب ليس موجّهاً إلى النبي بشخصه، بل هو إسماعٌ للآخرين، لأنّ القرآن نزل على طريقة: “إياك أعني واسمعي يا جارة”، وه وما ورد في الآية: ((وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وإذاً لاتخذوك خليلاً* ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركنإليهم شيئاً قليلاً* إذاً لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيراً))، وفي آية أخرى يتحدّث الله تعالى عن النبيّ (ص) بما يقارب هذا الأسلوب بالقول: ((ولو تقوّل علينا بعض الأقاويل* لأخذنا منه باليمين* ثم لقطعنا منه الوتين* فما منكممن أحد عنه حاجزين)).
سادساً: الضمانة النبوية لمسيرة الأمة
وثمة درس آخر قدمه النبي في آخر أيامه عندما كان المسلمون حوله وعلى فراش الموت وبه ضمانة لمسيرة حياتهم دنيوية وأخروية حينما قال لهم: (آتوني بدواة وكتف أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعدي أبداً)، ولكن بعض الصحابة قال: “إن النبي ليهجر، حسبنا كتاب الله”، وهم يعرفون أنه ((وما ينطق عن الهوى* إن هو إلا وحي يوحى))، ولكنهم كانوا يعرفون ماذا يريد النبي (ص) أن يكتب، وبعد أن اختلفوا قالوا: يا رسول الله، هل نأتيك بدواة وكتف؟ قال (ص): “أبعد الذي قلتم؟ لا، قوموا عني”.
هذا هو رسول الله (ص)، نبيّنا وإمامنا وحبيبنا وشفيعنا يوم القيامة: ((يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكراً كثيراً وسبّحوه بكرةوأصيلاً* إنّ الله وملائكته يصلّون على النبيّ يا أيّها الذين آمنوا صلّوا عليه وسلّموا تسليماً)).
والسلام عليك يا رسول الله لقد طبت حياً وميتاً وإنا لله وإنا إليه راجعون.