ممثل المرجعية العليا في اوربا يعزي ولي العصر (عج) بوفاة جدته خديجة بنت خويلد ويقول
· لقد كانت خديجة صدّيقة هذه الامة واول النساء ايمانا بالله وتصديقا بكتابه ومواساة لرسول الله (ص)
· يهب بالمرأة المسلمة ان تتخذ من سيرة خديجة قدوة في حياتها
جاء حديثه في هذا اليوم العاشر من شهر رمضان المبارك الذي صادف يوم وفاة اول ازواج النبي (ص) خديجة بنت خويلد التي كانت صديقة هذه الامة ، وأوّلها من النساء إيمانا بالله ، وتصديقا بكتابه ، ومواساة لرسوله (ص) ، انفردت برسول الله (ص) مدّة خمس وعشرين سنة لم تشاركها فيه امرأة ثانية ، ولو بقيت ما شاركتها فيه اُخرى ، وكانت شريكته في محنته طيلة أيامها معه ، تقوّيه بمالها ، وتدافع عنه بكل ما لديها من قول وفعل ، وتعزّيه بما يفاجئه به الكفار في سبيل الله ، وكانت هي وعلي عليه السلام معه في غار حراء حين نزل عليه الوحي أوّل مرّة.
ومن العوامل الأساسية التي ثبتت دعائم الإسلام هي أموال السيدة خديجة ، فمنذ اليوم الأوّل لزواجها المبارك من النبي (ص) وقفت السيدة خديجة بجنب زوجها العظيم (ص) موقف المدافع والمحامي ، ووضعت كل أموالها في تصرّفه لنصرة الرسالة المحمديّة ، كما كانت توفّر له الملجأ والمأوى والقلب الحنون ، ولذلك أوعزت إلى ابن عمّها حين زواجها من النبي (ص) بأن يعلن أمام الملأ : إنّ جميع ما تحت يدي خديجة من مال وعبيد ، قد وهبته لمحمّد (ص) يتصرّف به كيف يشاء. ولذا وقف ورقة بن نوفل بين زمزم والمقام ونادى بأعلى صوته قائلاً : يا معشر العرب ، إنّ خديجة وهبت لمحمّد (ص) نفسها ومالها وعبيدها وجميع ما تملكه بيمينها إجلالاً له وإعظاماً لمقامه ورغبة فيه.
ومنها : رأت السيدة خديجة ميله إلى غلامها (زيد بن حارثة) قبل بعثته المباركة فوهبته له ، فكانت هي السبب فيما امتاز به زيد في السبق إلى الإسلام.
ومنها : وكما نقله الزهري : أنّ خديجة أنفقت على رسول الله (ص) أربعين ألفاً وأربعين ألفاً .
وذكر الزرقاني في شرح كلام القسطلاني : قال ابن إسحاق : كانت خديجة أوّل امرأة آمنت بالله ورسوله ، وصدقت بما جاء من الله عزّوجلّ ، ووازرته على أمره ، فخفّف اللّه بذلك عن رسوله (ص) ، وكان لا يسمع شيئا يكرهه ولا تكذيب له فيحزنه إلاّ فرّج الله ذلك عن رسوله بها إذا رجع إليها تثبّته وتخفّف عنه وتهّون عليه أمر الناس حتى ماتت سلام الله عليها .
تلتقي عن طريق جدها (عبد العزى) مع جد النبي الأكرم (ص) (عبد مناف) في الجد الرابع (قصي بن كلاب) وبهذا النسب تكون أقرب أزواج النبي (ص) إليه نسباً ، باستثناء ابنة عمته أمّ المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها.
اتفقت الروايات على أنّ السيدة خديجة هي أوّل زوجات النبي (ص) ، وهي في زمانها أفضل نساء قريش ومكّة في خَلقها وخُلقها وجميع مواهبها ، كما كانت أفضل أزواج النبي (ص) قاطبة ، وقد كانت سيدة حازمة ، شريفة ، لبيبة ، جليلة ، ديّنة ، كريمة ، وصدّيقة هذه الاُمة في شرف النسب ، وكرم المحتد ، وسؤدد القبيلة ، وعِزّ العشيرة ، والغنى الأوفر ، وكانت مثالاً للزوجة المخلصة الصالحة ، والمرأة الرزينة العاقلة ، ولا توجد شبيهة لها في نساء النبي على الاطلاق حيث عقلها الكبير ، وشخصيتها العظيمة.
وقد أدركت الجاهلية والإسلام ، وكان لها في كليهما مركزاً ممتازاً ، ولشدّة عفافها وصيانتها سمّيت بالطاهرة ، فجمعت بين المال والجمال والكمال ، فهذه الصفات إذا اجتمعت ـ وقلّما تجتمع ـ فانها تضفي على المرأة ألوانا من السمو والرفعة ، وعندما كان رسول الله (ص) يبشّر قومها بالإسلام ، فلا ينال منهم إلاّ التكذيب ، فيرجع إلى بيته حزيناً يائساً ، فتلقاه السيدة خديجة (ع) فتزيل حزنه ، وتهوّن عليه الأمر.
وكان رسول الله (ص) يودّها ، ويحترمها ، ويثني عليها ، ويفضلها على سائر نسائه ، بل على سائر النساء المؤمنات ، ويعظمها ، ويشاورها في أموره ، وقد صدّقته في دعوته ، وآمنت به ، وكانت تستقبل آلام الجهاد الذي خاضه وخاضته معه صابرة محتسبة ، لا ينبض لها عرق بلين أو تخوُّف ، بل تقطع قناطر الدموع والخطوب المشغولة في بسمة كبرياء ، لم يُعهد مثلها في نساء النبي (ص) ، لقد كانت (ع) تستقبل العاصفة وشظاياها المشتعلة وتحوّلها إلى بردٍ وسلامٍ على قلب زوجها الحبيب محمّد (ص) .
وهي أوّل امرأة صدّقت الرسول الأعظم (ص) ودخلت الإسلام ، وقامت بخدمات جليلة حتى آخر لحظة من حياتها المباركة ، وكان الحبّ والاحترام والعمل والتضحية لهذا الدين القويم ملء حياتها.
هذا ويمكن الحديث عن فضلها وكراماتها ضمن النقاط الآتية :
١ ـ السبق إلى الإسلام :
الثابت تاريخيّا أنّ خديجة الكبرى (ع) أوّل امرأة دخلت الإسلام ، ولهذا عدّها الرسول (ص) من سابقات النساء إلى الإيمان بقوله : (خديجة بنت خويلد سابقة نساء العالمين إلى الإيمان باللّه وبمحمّد (ص)) .
وقد صرح أمير المؤمنين عليه السلام بهذه الكرامة ، في فقرة من خطبته المسماة بالقاصعة إذ جاء فيها : (… لم يجمع بيت واحد يومئذٍ في الإسلام غير رسول الله (ص) وخديجة (ع) وأنا ثالثهما) .
وهي أوّل امرأة صلّت لله عزّ وجلّ ، وقد أجاد شاعر أهل البيت عليهم السلام في ملحمته المشهورة منشداً :
وأقــام الرســول أول فــرض * فاقتـدت فيـه أحسن الاقتداءِ
وهي كانت لكل ما يتجلّى * من رسول الهدى من الرُقباءِ
فتــرى بالعيــان ما لا تــراه * من عظيــم الآيــات مقلة راءِ
٢ ـ حبّ الرسول لها :
إنها أحبّ نساء النبي (ص) إلى نفسه الشريفة ، فقد ورد عن عائشة : كان رسول الله (ص) لا يكاد يخرج من البيت حتى يذكر خديجة ، فيحسن الثناء عليها ، فذكرها يوماً من الأيام فأدركتني الغيرة ، فقلت : هل كانت إلاّ عجوزاً ، فقد أبدلك الله خيراً منها ! فغضب حتى اهتزّ مُقدّم شعره من الغضب ، ثم قال : (لا والله ما أبدلني الله خيراً منها ، آمنت إذ كفر الناس ، وصدّقتني وكذّبني الناس ، وواستني في مالها إذ حرمني الناس ، ورزقني الله منها أولاداً إذ حرمني أولاد النساء). قالت عائشة : فقلت في نفسي : لا أذكرها بسيئة أبداً.
وعن عائشة أيضاً : كان رسول الله (ص) إذا ذبح الشاة يقول : (أرسلوا إلى أصدقاء خديجة) ، فذكرت له يوماً ، فقال : (اني لأحبّ حبيبها) .
ولهذا لم يتزوّج (ص) غيرها في حياتها ، إكراما لها ، وتعظيما لشأنها (ع).
٣ ـ كمالها وجلالها :
إنها من الكاملات على لسان المصطفى (ص) ، إذ قال (ص) بشأنها : (كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلاّ أربع : مريم بنت عمران ، آسية بنت مزاحم ، خديجة بنت خويلد ، فاطمة بنت محمّد بن عبد الله) .
وقوله (ص) (أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، ومريم ابنة عمران، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون) وهذا الحديث مروي بطرق متعددة من كتب الفريقين، وفي الخصال عن الامام الصادق (ع) (افضل زوجات رسول الله خديجة بنت خويلد ثم ام سلمة).
ووصفها أبو طالب عليه السلام ذات يوم قائلاً : إنّ خديجة (ع) امرأة كاملة ميمونة خطبها ملوك العرب ، ورؤساؤهم ، وصناديد قريش ، وسادات بني هاشم ، وملوك اليمن ، وأكابر الطائف ، وبذلوا لها الأموال ، فلم ترغب في أحد منهم ، ورأت أنها أكبر منهم.
٤ ـ تبشيرها بالجنّة :
إنها من المبشّرات بالجنّة ، قال رسول الله (ص) : (أتى جبريل فقال : يا رسول الله هذه خديجة قد أتتك ومعها إناء فيه أدام ـ أو طعام أو شراب ـ فإذا هي أتتك فاقرأ (ع) من ربّها ، ومنّي ، وبشّرها ببيت في الجنّة من قصب، لا صخب فيه ولا نصب).
وكانت وفاتها في اليوم العاشر من شهر رمضان قبل الهجرة بثلاث سنين ولم تخلف من النبي (ص) الا بنتا واحدة وهي الزهراء (ع) والتي كان عمرها يوم وفاة والدتها خمس سنين، وقد حزنت عليها حزنا شديدا وجعلت تلوذ بابيها رسول الله (ص) وتدور حول وتقول له يا ابه اين امي حتى هبط الامين جبرئيل (ع) يقرئها السلام من الله ويخبره بمكان امها في الجنة.
وببعض ما ذكرناه فإن التاريخ ليحني رأسه أمام عظمة أم المؤمنين خديجة (ع) ، ويقف أمامها خاشعاً مبهوتاً لدورها الإسلامي الكبير وتضحياتها الجمّة الجسيمة في سبيل العقيدة والمبدأ .
ونذكّر نساءنا بأن كلًا منهن يمكنها أن تخدم مجتمعها وتعمل لرفعته، وأن تتخذ من خديجة قدوة في مساندة الزوج. الذي يكافح في دروب الحياة ويواجه المشاكل، فيحتاج من الزوجة أن تقوم بدور الداعم له في مواجهة الآلام والمشاكل. في بعض الأحيان، حينما لا تكون الزوجة واعية، فإنها تضيف إلى زوجها آلامًا بطريقتها السلبية في التعامل. على الزوجة أن تدرك أن زوجها وهو يقبل إلى البيت بعد كدحه اليومي، يحتاج إلى دعمها ومساندتها، فعليها أن تستقبله بما يخفف عنه تلك المعاناة، وبما يريحه نفسيًّا وخاصة إذا كان يحمل همًّا رساليًّا اجتماعيًّا.
هكذا كانت أمّ المؤمنين خديجة بنت خويلد (ع)، رزقنا شفاعتها وثبتنا على محبتها ومحبة ذريتها، وبها ينبغي أن تقتدي كلّ فتاة وامرأة مسلمة.